بشرى
مقدمة ابن خلدون
ابن خلدون
عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي؛ مؤرِّخٌ عربي، تونسي المولد أندلسي الأصل. عاش في أقطار شمال أفريقيا، سافر كثيراً وتنقّل بين البلدان. تُوُفِّيَ عام 1406 عن عمرٍ بلغ ستةً وسبعين عامًا ودُفِنَ قرب باب النصر بشمال القاهرة تاركاً تراثا ما زال تأثيره ممتداً حتى اليوم.
يقول ابن خلدون في كتابه الشهير (المقدمة): “اعلم أن فنّ التاريخ فنٌ عزيز المذهب، جمُّ الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم.”
حكايتنا هذه المرة عن مقدمة ابن خلدون، من أهم وأشهر المؤلفات العربية القديمة، ألّفه ابن خلدون سنة 1377م كمقدمةٍ لمؤلَّفه الضخم “كتاب العبر وديوان المبتدأ الخبر”. وقد اعتُبرت المقدمةُ لاحقاً مؤلَّفاً منفصلاً ذي طابعٍ موسوعيّ؛ إذ يتناول فيه جميع ميادين المعرفة من الشريعة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والعمران والاجتماع والسياسة والطب. وقد تناول فيه أحوال البشر واختلافات طبائعهم والبيئة وأثرها في الإنسان. كما تناول تطور الأمم والشعوب ونشوء الدولة وأسباب انهيارها. بهذا الكتاب سبق ابن خلدون غيره من المفكرين إلى العديد من الآراء والأفكار حتى اعتُبرَ مؤسِّساً لعلم الاجتماع.
ومن خلال قراءة المقدمة يمكن وضع ثلاثة مفاهيم أساسيّة تؤكد ذلك، وهي أن ابن خلدون في مقدمته بيّن أنّ المجتمعات البشرية تسير وتمضي وفق قوانين محددة، وهذه القوانين تسمح بقدرٍ من التنبؤ بالمستقبل إذا ما دُرست وفُهمت جيداً، وأنّ هذا العلم (علم العمران كما أسماه) لا يتأثّر بالحوادث الفردية، وإنما يتأثر بالمجتمعات ككلّ، وأخيراً أكّد ابن خلدون أنّ هذه القوانين يمكن تطبيقها على مجتمعاتٍ تعيش في أزمنةٍ مختلفةٍ بشرط أن تكون البُنى واحدةً في جميعها، فمثلا المجتمع الزراعي هو نفس المجتمع الزراعي بعد 100 سنة أو في العصر نفسه. وبهذا يكون ابن خلدون هو من وضع الأسس الحقيقية لعلم الاجتماع.
عالجت مقدمة ابن خلدون موضوعاتٍ متنوعةً ضمن ستّة أبواب. وحظيت المقدمة منذ أن وقعت عليها الأنظار بعناية المفكرين والمؤرخين وعلماء الاجتماع والفلاسفة واللغويين عرباً ومستشرقين، كما طُبعت عدّة مرّاتٍ بتحقيقاتٍ مختلفة.